عن نشر الكتب التي “تأخذ اللغةَ على محملِ الجد”
دانزك بوكس -دار نشر مستقلّة غير ربحيّة في آن آربور في ميشغن- وصفها أحدُ مؤلّفيها مرةً بكونها تنشر “الكتب التي لا تريدُ أن تصبحَ أفلامًا”. وبالإضافةِ إلى سعيها لتحقيق هذهِ الرسالة متمثلةً بمزيجٍ متباينٍ من مواد النشر، بما فيها لروي كيسي، ولورا فان دين بريغ، وتيريزا سفوبودا، وغيرهم. كما تنظِّم الدار برنامج إقامة لتأخذ المؤلفين إلى المدارس العامة، والجوائز السنوية، وإلى عملٍ “خلّاق، مقبلٍ على المخاطر، وذكيّ”، وتستضيفُ ورشة عملٍ ومؤتمرٍ سنويًا في لشبونة بالبرتغال.
تجيبُ على أسئلتنا ميشيل دوتّر، الناشرة ومديرة التحرير في دانزك بوكس، حول إدارة دار النشر.
ما مزايا العمل في دار نشر مستقلّة؟
بالنسبةِ لي، من أعظم ما يحققه العمل في دار نشر مستقلّة هو الحريّة في نشر الكتب على أسسٍ مثل: الجدوى الأدبية، وليس بالنظر إلى المُحصِّلة. تمتاز الكتب التي تنشرها دانز بأنها مخاطِرة، وكاسرة للقواعد، وأنها أعمالٌ إبداعيّة خالِصة تستحقّ أن تولد إلى العالم، حتى وإنّ كانت تتحدّى الجمهور أو كانت تخاطب فئةً معيّنة بحدِّ ذاتها. أحبّ أنّ لديّ الحرية لمناصرة كتبٍ من هذا النوع!
أما من منظوري الشخصيّ، فالعملُ في دار نشرٍ مستقلّة يمنحُك فرصًا لا محدودة لتتحدّى نفسك ولأن يكون لك القرار في كل جانبٍ من هذه العمليّة. ومما لا شكّ فيه أنّ العملَ ذو مردودٍ بسيط، لكن نشوةَ مساعدة كتاب تحبه ليجد طريقهُ إلى قارئه لا تقدّر بثمن.
ما تحديات العمل في دار نشر مستقلّة؟
امتدادًا لما ذكرتُهُ أعلاه، العمل في دار نشر مستقلّة يشبه العمل في ثلاث أو أربع وظائف لا واحدة، إذ تتوالدُ المهامُ التي ينبغي إنجازها مقارنةً بعدد المختصّين الذين يحتّمهم وصفهم الوظيفي إنهاءها. إنه منهجٌ رائع لزيادةِ مهاراتك، لكنه قد يصبح عملًا منهِكًا.
هل هناك معيار محدد للجودة أو الأسلوب، أو سمات معينة تشترك بها المشاريع التي تأخذونها على عاتقكم؟
نحن دار مرنة جدًا. نشرنا كتبًا في أدب الرسائل والروايات الطويلة جدًا، وكتب Many Worlds عن نظريات فيزياء الكم، والكتب التي صُنِّفت على أنها من الروايات أو المجموعات الكلاسيكية إنما تمّ تحريرها بأسلوبٍ حادّ كسكّين، وضّاء كالجواهر، وكل كلمة فيها مقصودةٌ جدًا. نعملُ على روايةٍ للعامِ القادم تتألف من جملةٍ واحدة، وسننشرها في كتاب بصفحاتٍ مطويّة على طريقة آلة الأكورديون، التي يمكن فتحها لتمتد لأكثر من عشرين قدمٍ. (“الجملة” من تأليف مات بيكر، إن كنت مهتمًا).
يصعب أن ترسم خطًا واضحًا يصل بين جميع كتبنا، إنما بصفةٍ عامة، كتبنا تأخذُ اللغةَ على محملِ الجد، وفيها اللغة ليست وسيطًا ينقل القصّة، بل عنصرًا أساسيًا لما يُروى ويُفهَم. أو على حدِّ تعبير أحدُ مؤلِّفينا، هي كتبٌ لا تريدُ أن تصبحَ أفلامًا.
هل هناك عناوين محددة تعتبرينها غيّرت وجهَ العمل في الدار؟
من الصعبِ تحديد عددٍ قليل، لكنّ العمل على بعضِ كتب روبرت كوفر كان مسليًا للغاية، بما فيها العناوين المقرر نشرها قريبًا، وتوفيرها للقرّاء الجدد. عملنا على عناوين مشابهة مع جوزيف ماكإلروي، وأغلبها نفدت طبعاتها ما عدا نسخ دار دانزك.
ليندزي دراغر من كاتباتي المفضّلات؛ كاتبة حاذقة، وحذرة، ومتعاطِفة، ومهما أشدتُ بكتبها لا أظنني أوفيها حقّها. عملنا معها على ثلاث روايات حتى الآن، وآمل أن نعمل على كتبٍ أخرى كثيرة قريبًا.
وفي وقتٍ لاحق، نشرنا عددًا من الكتب لويليام غاي، كتبًا عُثِرَ عليها في أرشيفه بعد وفاته، أعدّها مايكل وايت باهتمامٍ بالغ بالإضافةِ إلى مجموعةٍ من أصدقاء ويليام بما يضم مسوّداته المكتوبة بخطّ اليد. (كان يُعرف بأنه لا يكتب حرف التاء أو الياء بنقاط، وأحيانًا يحذف حرفًا من حروف العلة تمامًا). إنها مهمّة تدعو للتواضع، أن تخلّد ذكرى كاتب بينما تأخذ بمسوّداته غير المنظمة، وفي حالات، غير المترابطة لتنسجها في كتابٍ متكامل، لكني متشوّقةُ أننا سنشارك هذه الأعمال التي كان من الممكن لها أن تندثر إلى الأبد! كتاب “قصصٌ من العلّية”، سيصدر في يوليو وهو آخر عملٍ من أرشيفه.
ما المشاريع التي تتطلّعين إليها على وجهِ التحديد؟
هذا سؤالٌ غير عادلٍ بالمرّة، لأنه يطلب مني أن أختار عددًا قليلًا من الكتب بينما أريدُ أن أقرأ لك قائمة جميع العناوين القادمة. لكني سأجيبك بعددٍ مما سيُنشر في الصيف هذا وفي بداية الخريف.
أولها كتاب نينا شوب بعنوان “الملجأ”[1]، سيُنشر في 17 مايو. تتبّع هذه الرواية مريضةً اسمها أوغستين في ملجأ سيئ السمعة يدعى بيتي سالبيترير في باريس، وهي امرأة شابة والمفضّلة لدى الدكتور كاركوت، وهو من أوائل مبتكري علاج الهستيريا في القرن التاسع عشر. روايةٌ كُتِبَت بأسلوبٍ أخّاذ عن السيطرة والمراوغة، وأوغستين تروي الحكاية بطريقةٍ ساحرة.
وفي نهاياتِ الصيف، سننشرُ مجموعةً قصصيّة لويل ماكغارث بعنوان “برنامجٌ وداعيّ: رسائلٌ من مساحاتٍ مخفيّة”. كارافاجيو من مأوى أريزونا للمشردين، وإلفيس من ضواحي كندا، منجّمين عن الألماس، ومصارعين محترفين، وحارسيْن ليلييّن، ورجليْن صالحيْن ذوي سوابق. ويل كاتبٌ عظيم يتقفّى حتى أحلك المواضيع بحسٍ متعاطفٍ ومضحك، دائمًا ما ترسم أعماله ابتسامةً على وجهي.
وآخر ما سننشره في الصيف هي مجموعة شعريّة بعنوان “لا سيرينا: رؤى حورية بحرٍ سوريّة من الفضاء من تأليف بنّة الغضبانة (هي/هم) حازت على جائزة دزانك للأصوات المتنوّعة عن هذه المجموعة قبل عامين. برأيي لا سيرينا قطعةٌ فاتنة بحقّ، تفطر القلب وتسلب اللب في كل صفحة. وإننا محظوظون بنشر المجموعة بالتعاون مع رسام/ة يمني/ة أمل عمر، للانتهاء بهذا العمل البديع.
وأخيرًا، ننشر في سبتمبر هابيليز من تأليف أليسا كوين عن شابة تدعى لوسي بماضٍ غير مؤكّد، تحاولُ أن تبني قصة أصلها وهويّتها بينما تتجول في متحفٍ أنثروبولوجي ينقلب إلى نادي ديسكو كل ليلة. قصةُ قصيرةٌ غريبة ومقفّاة عن اللغة، والرغبة، والقصص التي نرويها عن أنفسنا.
[1] جميع العناوين من اقتراح المترجمة إذ لم تترجم الكتب المشار إليها حتى تاريخ نشر هذه المقالة المترجمة
كيف يتواصل معكِ الكتّاب الجدد؟
في الوقت الحالي، نستقبلهم عبر مسابقاتنا السنويّة. نجري مسابقتيْن سنويًا، واحدة للروايات وأخرى للمجموعة القصصية القصيرة، ويفتح التسجيل فيهما إلى الثلاثين من سبتمبر، وبإمكان الكتّاب المهتمين أن يطّلعوا على موقعنا لمزيدٍ من التفاصيل.