هل حقا ليس هنالك من معادلة حسابية للذائقة الأدبية؟ يدّعي اثنان من الأدباء الأكاديميين أن بحوزتهم خوارزمية لديها القدرة على تخمين الروايات التي ستحقق أعلى قدر من المبيعات.
كاتب المقالة الأصلي: (Zulfikar Abbany) تاريخ النشر الأصلي: 04.11.2016.
صحيفةDW:
(https://www.dw.com)
رابط المقالة الأساسي:
( https://www.dw.com/en/the-bestseller-code-how-an-algorithm-will-choose-tomorrows-top-novels/a-36266944).
تحدثت DW إلى (جودي آرتشر) و(ماثيو جوكرز) حول كتابهما المثير للجدل “شيفرة الأكثر مبيعًا”:
DW: يصف كتاب “شيفرة الأكثر مبيعًا” كيفية الاستفادة من قدرات الحاسوب وذلك اعتماداً على خوارزمية معينة لتحليل الكتب الأكثر مبيعًا ومعرفة ما الذي يجعلها كذلك، فكيف يمكن أن يساعد هذا في الصناعة الإبداعية مثل الكتابة؟
جودي آرتشر: لم يكن هدفنا الأصلي هو اصدار كتاب مصمم خصيصًا للمساعدة في الكتابة الإبداعية، إذ يأتي كتابنا مع تحذير في بدايته مفاده أن هذا الكتاب ليس “عصاً سحرية” ليجعلك، وبمجرد قراءته، قادراً على أن تكتب أفضل الأعمال مبيعًا، كما أنه ليس كتيب تعليمات كتلك المُعنونة بـ “كيف تكتب كتاباً ” إنه شيء آخر تماماً.
وتتابع جودي: لقد أغرَقَـنا الكُتّـاب والمؤلفين بالرسائل التي تقول: “واو هذا أحد أكثر الكتب المفيدة التي قرأتها مساعدةً في صياغة مؤلفاتي”.
ولكن ليس الكُتّـاب فقط من يهتمون بنا، بل وصلتنا رسائل اهتمام واضحة من دور النشر الذين يعتقدون أن بياناتنا قد تكون قادرة على مساعدتهم في فرز المؤلفات المطروحة عليهم لمعرفة الكُتّـاب الجُّدد الواعدين والذين قد يكون لديهم فرصة في النجاح أكثر من غيرهم.
Dw: حسناً ، ماثيو، هلّا تحدثت إلينا تقنياً وبلغة التكنولوجيا ، فأنا أفهم على سبيل المثال كيف يمكن للآلة أن تقرأ كم نسبة الأسماء إلى الصفات في كتاب ما، ولكن كيف يمكن للحاسب أن يفهم مواضع الذروة والضعف في السرد الأدبي؟ كيف يمكن للآلة أن تقوم بما يمكن تسميته تحليلاً للمشاعر كالذي نقوم به نحن البشر على وسائل التواصل الاجتماعي، كيف يحدث هذا؟
ماثيو جوكرز: هنالك العديد من الطرق للقيام بذلك، ربما يكون النهج الذي اتبعناه هو الأبسط، إذ يتعلق الأمر بالبحث عن كل كلمة فيما يمكن تسميته (قاموساً خاصاً بالمشاعر الأساسية أو المرجعية) وتسجيلها، وهنالك كلمات ستحصل على نقاط إيجابية أو سلبية، وذلك مع مراعاة سياقها في السرد، حيث أننا نُراعي شاعرية الكلمة وفق سياقها في الجُملة أيضاً،
غير أن الخوارزمية تدرس نقاطاً أبعد من ذلك إذ يُمكنها أن تلاحظ النقاط المحورية التي ستتغير المشاعر عندها أو تصل إلى ذروتها، وبالطبع لا يُعبّـر المؤلف عن هذا التحول في الحبكة في جملة واحدة فقط، بل ذلك يكون على مدار فقرة أو صفحة كاملة، أو يكون هناك تراكم يؤدي إلى هذا التغير، ومن خلال إجراء رسم بياني وتتبع لهذه التغييرات، أصبح البرنامج موثوقًا به إلى حد كبير في ملاحظة ما نسميه “تغييرات الحبكة”.
DW: لقد كنتما حريصين على الإشارة إلى أن البرنامج لا يعلم ماهية الكتب التي تعرضاها في نظامه، سواءً كانت تلك الكتب هي الأكثر مبيعًا أم لا، غير أنكما عندما تقومان ببرمجة برنامج كهذا، هل تستطيعان إبعاد آرائكما وميولكما الأدبية الشخصية ؟ خصوصاً وأن لديكما آراء سابقة في الإبداع والكتابة، وهذه الآراء الشخصية قد تفرض نفسها في تحديد ما هو جيد وما هو سيء؟
جوكرز: نعم، حسنًا، نحن نعرف أي الكتب كان من أكثر الكتب مبيعًا وأيها لم يكن كذلك، لكن البرنامج لا يعرف ذلك لأنه فقط يقوم بتحليل كل كتاب على حدة ويعيد النتيجة إلينا والتي هي بالطبع تخمينه حول أي من تلك الكتب كان الأكثر مبيعًا وأيها لم يكن كذلك، دون أن يعلم فيما إذا كان ذلك حقيقة أم لا أو دون أن يعلم ما هو رأينا عن الموضوع.
DW: هل تعتقدان أن الميول البشرية جيدة؟
جوكرز: أما بالنسبة لميولنا البشرية فيمكنك أن تأخذ على سبيل المثال الكتب التي أخطأ البرنامج في تقييمها، كان أحد هذه الكتب هو “لعبة العروش”، إنه لمن غير المعتاد أن تشاهد كتباً من نوعه في قائمة أفضل الكتب مبيعًا ، ونحن نعلم ذلك من خلال ما بحثناه لسنوات في قائمة الكتب الأكثر مبيعاً، لقد أخطأ البرنامج في توقع أن يحقق الكتاب ذلك النجاح لنفس السبب الذي أخطأنا نحن به أو أخطأت فيه دور النشر أيضاً، إذ كنا ننظر إلى الكتاب ونقول : ” إنه لن يثير سوى اهتمام محبي كتب الخيال العلمي ولن يثير اهتمام أحد غيرهم”، وإنه من غير المحتمل أن يظهر في قائمة أفضل الكتب مبيعًا، لقد أخطأ الميل البشري إذاً.
DW: لكن هذا ما أقصده بالضبط ، أليس كذلك؟ فأنتِ يا جودي، لقد عملتِ كمحررة سابقة ومساعدة على تبني الكتب من قبل الناشرين، وقد قيل منذ زمن طويل أن الرواية الأكثر مبيعًا مكتوبة وفقًا لصيغة معينة، سواء أكان كاتبها كتبها واعياً لذلك أم لا، فلماذا نحتاج إلى هذا البرنامج؟ خصوصاً إذا أخذنا بعين الاعتبار أن العديد من المؤلفين والناشرين قد قاموا بتقييماتهم بشكل جيد جدًا طوال الفترات الزمنية الماضية، وقد نجح بعضهم في ذلك بحيث أنهم يبيعون أعدادًا هائلة من النسخ؟ فما الفائدة من هذا البرنامج؟
جودي: إذا نظرت إلى تاريخ النشر وقائمة نيويورك تايمز الأكثر مبيعًا في الولايات المتحدة ، وهو ما استندت إليه الدراسة، في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، كانت القائمة تخص ثلاثة كتاب فقط وهم: (جون جريشام ودانييل ستيل وستيفن كينج) وإذا لم تكن واحدًا من هؤلاء، فلن يكون لديك أي فرصة حقًا، قد يقول الناس: “لكي تكون كاتبًا ذائع الصيت، عليك أن تكون كاتبًا ذا أسلوب متميز” ولكن على ما أعتقد أن الناس قد قولبت تلك الصيغة أو الأسلوب المتميز وحصرتها بهؤلاء الكتاب الثلاثة فقط بحيث أصبحوا هم النموذج المتبع، غير أنه ومنذ تلك الأيام وحتى الآن ازدادت قوائم الكتاب تنوعاً وثراءً، ولدينا أمل في خلق فرص أكثر لمزيد من الكتابات الأدبية من خلفيات مختلفة عن المعهود، وفرص لكُتّاب أكثر طموحًا، بينما ستنخفض نسبة الكتاب النمطيين والمعهودين، وهنا تماماً حيث يمكن أن تساعد هذه الخوارزمية، بإعطائها الفرصة للمحررين في النظر إلى مؤلفات ليست مقولبة ونمطية ومعهودة من قبل ولكنها مع ذلك ستكون ناجحة حتماً، وكمثال على ذلك فإن العمل الأدبي “الفتاة في القطار” واحد من تلك الأعمال التي حققت نجاحاً غير متوقع بالنسبة للناشرين ولكن الخوارزمية التقطتها وتوقعت نجاحها. فإن اتجاهها جديد تمامًا، إنه عمل “تريند” قد أسميناه “الأنوثة السوداء” يتحدث عن الإثارة النفسية والداخلية، لم يتوقع أحد نجاحه غير أن خوارزميتنا التقطته.
DW: لكن ألا يوجد خطر في ذلك؟ لنفترض أنني كنت أرغب في نشر كتاب، وبدلاً من الذهاب إلى وكيل أو دار نشر، وطرق أبوابهم هنا وهناك، سيطُلب مني ببساطة تحميل ما كتبته إلى البرنامج، ثمّ وقبل أن تتاح الفرصة لأي شخص بشري للنظر إليه، سيتم رفضه أو قبوله من قبل برنامج حاسوبي، إذاً دور العنصر البشري في عملية انتقاء الكتب الأكثر نجاحاً قد تمت إزالته تماماً..
جودي: عليك أن تأخذ بعين اعتبارك أن البرنامج مختص بتفصيل صغير جداً بالنسبة إلى صناعة النشر والتوزيع، إذ أن الأمر يتعلق بشكل رئيسي بالكتب التي وصلت إلى المراكز العشر الأولى أو الخمسة عشر الأولى كحد أقصى في مدة أسبوع أي تلك التي يتم بيعها بأعداد كبيرة جداً، لذلك فإن هذا لا يعني أننا إذا وسعنا القائمة إلى الكتب الخمسين أو الستين أو حتى السبعين الأكثر مبيعاً، ووجدنا كتاباً يبيع بأرقام جيدة للغاية ويجعل صاحبه يكسب لقمة عيشه، فإن هذا الكتاب ليس جيداً، ولكن، يجب على أي كاتب أو محرر يتفحص مخطوطة بواسطة هذه الخوارزمية أن يأخذ في عين الاعتبار أن الخوارزمية تبحث فقط في “الكتب الافضل مبيعًا” المحتملة، هذا لا يعني أن الكتاب الذي سيرفضه البرنامج سيء، بل يجب عليهم قراءته، لكن إذا كانوا سيضعون مليون دولار على كتاب لشراء حقوق نشره، فربما يجعلهم ذلك يشعرون بثقة أكبر إذا كانت الخوارزمية قد أعطته تقييما عاليا.
هوسنا بالأرقام:
ألستما قلقين من هذا الاعتماد المفرط على الأرقام ومخططات الاستبيان؟ ألا نبالغ في إقحام التقنية والتكنلوجيا في مجال الكتابة الإبداعية؟
جوكرز: أود الالتفاف عليك قليلا في هذه النقطة، فربما يكون اهتمامي بهذا أكاديميًا محضاً، وقد بدأتَ مقالتك بـسؤالك عن “ما فائدة هذا؟” وستكون إجابتي مختلفة بعض الشيء، لأن استخدام التقنية بالنسبة لي يعني أنه أصبح لدينا ما يشبه المجهر الذي يمكن تحت عدسته فحص ما يفعله الكُتّاب بطاقتهم الإبداعية، لقد وجدنا المميزات والعناصر التي يضمٍنها الكتَاب (الأكثر مبيعًا) -بوعيهم أو بعدمه- في نثرهم، نحن الآن نستطيع معرفتها والحصول عليها. وكشخص يقوم بتدريس تقنيات الأدب وحرفته، أقول إن التكنولوجيا أداة رائعة في هذا المنظور.
Dw: في الوقت نفسه، هناك الكثير مما يتم إنجازه باستخدام هذا النوع من تكنولوجيا “التنقيب في النصوص”، ما كشفتما عنه هو فقط القمة لجبل جليدي هائل.
جوكرز: هناك بالتأكيد الكثير من الأشياء التي يمكن القيام بها في هذا المجال وبعضها سيكون مقيتاً وبعضها الآخر إيجابيًا، فجميعنا يرتاح عندما تستخدم وكالة الأمن القومي التنقيب عن الرسائل النصية لاكتشاف تهديد ما وتجنبه، ولكننا نشعر بالانزعاج الشديد عندما يتطفلون على بريدنا الإلكتروني، ولذلك هناك إيجابيات وسلبيات، وأنا أتعاطف مع الموضوع الذي أشرت إليه حين يتقدم الشخص بنص فلا يقرأه أي إنسان لأن نصه لم يجتز بعض الاختبارات الحسابية، أنا متعاطف حقاً وسأقلق بشأن ذلك، لكنني سأعود أيضًا إلى إجابة جودي على هذا السؤال، والذي أعتقد أنه إجابة مهمة فنحن لم نطور هذه الأداة لتكون منتجًا للبيع الصناعي، لكي نكون صريحين، بالطبع كان أهل الصناعة مهتمين بما قمنا به، ولكنها كانت حقًا أداة لمعرفة ما إذا كان ثمة عناصر مميزة تحدد ما الذي يجعل الكتب أكثر مبيعًا وما الذي لا يجعلها كذلك وكيف يمكننا معرفة هذه العناصر.
جودي آرتشر وماثيو إل جوكرز هما مؤلفا كتاب (“The Bestseller Code” Allen Lane، 2016).
عملت آرتشر في مجال النشر في لندن ونيويورك وهي الآن كاتبة متفرغة. جوكرز هو خبير في التنقيب في النصوص والعلوم الإنسانية الرقمية. كلاهما عمل على iBooks والأدب في Apple. لقد كانوا فريق بحث منذ عام 2010م.
ترجمة: مها الرفاعي
مترجمة سورية